جاك نيكِّر؛ وزير المالية الذي حاول إنقاذ الملكية في فرنسا

تمهيد، يُخبرنا التاريخ بكثيرٍ من تفاصيل المُستقبل، إذ إنه يُعيد نفسه نظرًا لأن الكثيرين – خُصوصًا الطبقة الحاكمة –  يرفضون التعلُّم منه، أو تأخذهم العزة بالإثم ويظنون بأنهم أكبر منه؛ سأتحدَّث عن جاك نيكر (1732 – 1804)، وزير مالية فرنسا في القرن الـثامن عشر، وكان شاهدًا على انهيار الملكية فيها، في الثورة الفرنسية، بسبب أطماع طبقة النبلاء ورجال الدين (الإكليروس).

Jacques Necker جاك نيكِّر
– المصدر: ويكيبيديا (الموسوعة الحُرَّة).

كان جاك نيكِّر من أُصولٍ سويسرية، وعمل مصرفيًا، وعاش في بحبوحةٍ من العيش، لكن دخل عالم السياسة رغبةً منه في تحقيق إنجازاتٍ سياسية، بخلاف الاقتصادية، وتوَّلى وزارة مالية فرنسا مرَّتين، في عهد الملك لويس السادس عشر.

عمل نيكِّر على إصلاح الدولة الفرنسية المتهالكة، ومن أبرز خطوات الإصلاح هذه إلغاء المئات من المناصب والوظائف الشرفية، وأعدَّ إصلاحاتٍ ضريبية ونظَّم العمل المصرفي، كما وضع حدًّا لنفقات البلاط الملكي. هذا بخلاف الإصلاحات الاجتماعية الأخرى، منها طلب تحرير الأقنان (العبيد المُزّارعين في النظام الإقطاعي) وإلغاء عُبودية الزراعة، وتحسين الرعاية الصحية والمُستشفيات، وإتاحة حق التصويت لعامة الشعب لانتخاب مُمثليهم في البرلمان. بل يُحسب لهذا الرجل أنه أوَّل وزير مالية يُتيح للشعب الاطِّلاع على تفاصيل موازنة الدولة.

لا يُمكن وصف ما قام به نيكِّر بأنه مُساندة لباقي طبقات الشعب على حساب النُبلاء، بل كان هدفه الأسمى الحفاظ على الملكية، وأراد الخير للجميع، العائلة الملكية والنُبلاء والإكليروس والطبقة الوُسطى وعامة الشعب. لكن اصطدمت إجراءات الرجل بمُعارضة النبلاء، حيث لم يُريدوا الخير لأحدٍ سواهم، وضغطوا على الملك لإلغاء القرارات التي اقترحها نيكِّر، بينما تدَّخل رجال الدين غامزين من قناة أنه بروتستانتي وليس كاثوليكـيًا، حيث إنه مذهب الدولة الرسمي.

اقترح نيكِّر في كتابه “تقرير للملك” أن يدفع النبلاء الضرائب للخروج من الأزمة المالية، على إثر ذلك أُقيل الرجل من عمله بضغطٍ من الطبقة الحاكمة والنُبلاء، الذين رفضوا خيار دفع الضرائب والمسّ بامتيازاتهم، زاد هذا الرفض الاحتقان الشعبي وقيام الثورة الفرنسية لاحقًا، و “أصبح الباقي تاريخًا” كما يُقال؛ سقطت الملكية الفرنسية وخسر النبلاء كل شيء، لأنهم رفضوا التضحية بجزءٍ مما لديهم لصالح الجميع.

قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

وآثارُ الرجالِ إِذا تناهَتْ … إِلى التاريخِ خيرِ الحاكمينا

وأَخذكَ من فمِ الدنيا ثناءً … وتركُكَ في مسامِعِها طنينا

من يكذبُ التاريخَ يكذبْ ربهُ … ويسيءُ للأمواتِ والأحياءِ

وآثار الرجال إذا تناهت … إلى التاريخ خير الحاكمينا