لعلّ أبرز النقاط دارت في بالي خلال مُتابعة آخر الأخبار والتحليلات حول الضربة الأمريكية هي الآتية:
– المقولة المنسوبة لابن خلدون : “الطغاة يجلبون الغزاة”
– وأخرى منسوبة لكاتب سياسي تقول: “الشيء الوحيد الثابت في منطقة الشرق الأوسط أن لا شيء ثابت”
– ومعلومة عسكرية بدهية تقول “تقنية الأسلحة الروسية – في أفضل حالاتها – مُتأخرة عشرين عامًا على الأقل مُقارنةً بنظيرتها الغربية”
– على عكس ما يقوله إعلام بوتين والأسد والخامنئي الخسائر البشرية والمادية فادحة
– ومقولة سياسية بدهية تقول “روسيا مُجرد قوة إقليمية لا أكثر”.
بالنسبة لمقولة الطًغاة يجلبون الغُزاة: من الواضح أن كل ما يحدث في سوريا الآن هو بسبب نظام الأسد، وبالنسبة للمُتباكين على ضرب النظام بحجة أنه ضربٌ لدولة عربية، لقد بينت ما وصلت إليه الثورة السورية وتحويلها لحرب أهلية أن النظام العربي الراهن ليس قادرًا على تحقيق العيش الكريم للشعوب العربية وحفظ كرامتها ولا حمايتها من تغوُّل حُكامها، ولا من احتلال الأجانب.
ما الذي جنيناه من 80 عام من “الاستقلال”! والعجز طوال السنوات السبع الماضية عن اتخاذ موقف عربي مُوحد وحاسم ضد نظام الأسد، خُصوصًا من مُدعي صداقة الشعب السوري ، ناهيكم عن التدخل لإزاحته. فيما نرى الآن عدة دُول عربية وإقليمية تُؤيد ما قام به دونالد ترامب والتحالف الدولي ضد الأسد، ردًا على هجوم دوما الكيماوي، ألم يكن من الأجدى لهذه الدول (تحديدًا: قطر والسعودية وتركيا) أن تُساعد الشعب السوري فعلًا وتُنهي مأساته في أقل مُدّة!
الأسوأ من هؤلاء أعلاه، تلك الدول التي اتخذت موقفًا ضبابيًا ومُبهمًا، مُتذرعةً بالحفاظ على “الدولةالسورية” وإعطاء الأولوية للحل السياسي مثل الإمارات والأردن، وبالتأكيد لا يُمكننا التفكير في مسألة أن يتخذ النظام المصري بقيادة عبدالفتاح السيسي (AKA: بلحة) أي موقف تجاه ما حصل، – حتى لو كان ضبابيًا.
“الشيء الوحيد الثابت في منطقة الشرق الأوسط أن لا شيء ثابت“: أعتقد بأنها واضحة وتشرح نفسها بنفسها للغاية!
Self Explanatory
تقنية الأسلحة الروسية المُتأخرة مُقارنةً بنظيرتها الغربية: هذا ما بدا واضحًا في التنصل الروسي من الدفاع عن النظام، فهي تعرف بأنها حتى لو جلبت نظام مُضاد “أس 10000” فإنها لن تكون قادرة على صد الطائرات والصواريخ الأوروبية والأمريكية.
دعكم من الهُراء الإعلامي الذي تبثه “ماكينة” الإعلام الكاذب الروسي عن إسقاط 70 صاروخ وحرف مسار عشرات الصواريخ، وتصدي مُضادات الطيران “م ط” الأرضية للعدوان وما إلى ذلك، كُلنا نعرف أنه كذب بكذب، أضف إلى ذلك معرفتنا المُسبقة بأن الجيش السوري (AKA: جيش أبوشحاطة) ليس قادرًا على صدّ أي هجمة مُنظمة أو هجوم جيش مُحترف.
بالنسبة للخسائر البشرية والمادية، التي قللت وسائل إعلام نظامي الأسد وبوتين منها، يقول المثل “بكرة بيذوب الثلج ويبان المرج”، كما أستشف من حجم الحملة الإعلامية الهائلة للنظام السوري لرفع معنويات مُؤيديه أن “الخازوق” الذي ذاقوه يفوق الوصف.
أعتقد بأن قتلى النظام لن يقل عن بضع مئات من عصابات الأسد والميليشيات الشيعية ، فطبيعة الأهداف التي ضُربت تجعل من المُستحيل أن يتركها نظام الأسد خاليةً حتى من الحراسات العادية، علمًا بأن أقل فرع أمني أو عسكري للنظام عليه من الحراسات والتشديدات الأمنية ما يفوق الوصف. كما شملت الضربات قواعد لميليشيات حزب اللـه (AKA: حزبالة). والأيام القادمة كفيلة بكشف هذه الخسائر.
وأخيرًا، ظهرت روسيا الآن بحجمها الحقيقي، فهي ليست أكثر من مُجرد قُوة إقليمية، يُمكنها أن “تُشبّح” ضمن نطاق دول الاتحاد السوفياتي السابق، ولكنها لم – ولن – تكون قادرة على الحُضور الحقيقي والفعّال خارج النطاق المذكور، وبأن حُلمها بالوُصول إلى المياه الدافئة أصبح كابوسًا. وفيما كان الأسد يتبجح البارحة بدعم الروس والإيرانيين له، بدا له اليوم الحجم الحقيقي لـ “القوة الروسية”.
والأسوأ من ذلك، أن الروس ليس بمقدورهم حتى حماية أنفسهم، وفضلوا أخذ موقف المُتفرج، ناهيكم عن حماية النظام! كما تلقى الروس نصيبهم من الضربات المعنوية، عندما ألقى بيان الضربة اللوم على روسيا في عجزها عن لجم الأسد، والإذلال المُهين الذي يتعرضون له في عجزهم حتى إقناع أمريكا بالحل السياسي. وقبل ذلك، استجداء بوتين لرئيس الوزراء الصهيوني النتن ياهو للتوسط لدى ترامب في غضّ النظر عن الضربة.
وبالتأكيد، لا داعي للحديث عن الإيرانيين، ما دامت روسيا بنفسها ليست أكثر من قُوة إقليمية.
وإلى جانب روسيا، لدينا الصين، التي لم يظهر منها أي موقف قوي خلال هذه الفترة، رغم أنها تخوض هي الأخرى حربها مع إدارة ترامب ما يخص التجارة والاقتصاد، وبالنسبة للصين، فهي تُدرك نوعًا ما حجمها الحقيقي، ولا تأهبه كثيرًا ما يحصل خارج مجالها الحيوي، شرق وجنوب آسيا. لذا لا يُمكن لروسيا التعويل على الصين كحليفٍ لها وقت الحقيقة.